التنقيب في السماء
ماذا لو لم يكن الاكتشاف الأعظم في الموارد الطبيعية هنا على الأرض، بل في السماء؟ ماذا لو عوضًا عن التنقيب في الأرض، تعدينا نطاق أنشطتنا الاقتصادية ونقبنا في الفضاء الخارجي أيضًا؟
قد يبدو ذلك ضربًا من الجنون، هذا ما قد تفكر فيه. حسنًا، فكر مرة أخرى؛ فالتنقيب في السماء يحدث بالفعل، بل ويحدث الآن أيضًا. فشركة الموارد الكوكبية تتقدم بقوة مجهودات ساعية إلى التنقيب عن موارد صديقة للإنسان في الكويكبات القريبة من الأرض؛ التنقيب عن كل شيء بداية من المياه وحتى مجموعة معادن البلاتين النفيسة.
فتلك الشركة التي أسسها مجموعة من المليارديرات المغامرين تخطط لإرسال حشود من الأناس الآليين إلى الفضاء؛ للتنقيب عن الموارد في الكويكبات وتأسيس المناجم؛ وذلك لجلب تلك الموارد إلى الأرض، آملين في أن تضيف هذه العملية “تريليونات الدولارات إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي، مما يساعد على تأمين رخاء البشرية، ويمهد الطريق لتوطن الإنسان في الفضاء”.
إلا أن إعلان الشركة عن مخططاتها وآمالها التي تطول عنان السماء قد استثار موجات من التشكيك في الأوساط العلمية والإعلامية على حدٍّ سواء؛ حيث حاولوا جاهدين فهم كيف يمكن لتلك المحاولة – إن كانت قابلة للتطبيق – أن تتناسب كُلفتها مع أرباحها، وإن وصل سعر أوقية الذهب أو البلاتين إلى 1600 دولار.
فقد بلغت كلفة بعثة حديثة أطلقتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا إلى أحد الكويكبات – عادت منها بأوقيتين فقط من المواد – مليار دولار أمريكي. فيتساءل العلماء كيف ستتمكن الشركة من خفض الكلفة لنقطة يصبح التنقيب في الفضاء عندها مُربحًا.
والتشكيك عادة هو منهجي المختار، إلا أن العقول النابغة والمستثمرين فاحشي الثراء الذين اجتذبهم ذلك المشروع تجبرنا أن نعيره اهتمامًا كبيرًا، وألا نحكم بعدم جدواه ببساطة. ومع قائمة الأسماء المبهرة المُؤسسة لهذا المشروع، لا يملك المرء إلا أن يتحمس ويتفاءل بهذا المشروع الجريء، والذي من شأنه أن يغير للأبد طبيعة الحضارة على الأرض برمتها للأفضل، وأن يفتح بابًا لكنوز السماوات.
لقد أدى العجز في المواد الخام على كوكب الأرض إلى حدوث تضخم عالمي بنسبة كبيرة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي سيتسبب في تزايد التوتر بين الدول مما يعرض البشرية للمخاطر. فإن كان التنقيب في السماء ناجحًا بالفعل، فسيكون من الممكن أن ينتهي كل ذلك التوتر.
إن استغلال المعادن القيمة الموجودة في مصادر تعتبر لا نهائية سيوفر الاستقرار على الأرض، مما سيزيد من رخاء البشر ويتيح فرصًا لا نهائية لوجودهم في الفضاء. وفي رأيي المتواضع، فإن مثل هذا الهدف يفوق كثيرًا المخاطر الاقتصادية التي يثيرها المشككون؛ ومن المؤكد أنني سأتمنى نجاحه.