نظرية الواقع الاجتماعي

تعددت النظريات التي أسست لمفاهيم الواقع الاجتماعي، وتطور بتطور المناهج والعلوم الأخرى، ومن أهم هذه النظريات ما يأتي: النظرية الوضعية وهي أهم النظريات الاجتماعية، ورائدها أوغست كونت، الذي أسس لعلم الاجتماع من خلال اتباع المنهجية العلمية، وتعزيز البحث الإمبريقي، وبالنسبة لكونت لا يكون البحث في الظاهرة الاجتماعية من خلال التأمل المحض، بل يجب أن يعتمد على أساليب البحث العلمية ومنهجيته القائمة على الملاحظة والتجربة، ومن خلال ذلك يتضح مدى ارتباط نظرية أوغست كونت بالواقع الاجتماعي.[١] كلّ المدارس الاجتماعية الواقعية هاجمت لمدارس الميتافيزيقية، وهي امتداد لفلسفات ظهرت منذ أيام أفلاطون، وقوامها أن التفكير الاجتماعي ليس إلا امتداد لمنهجية تفكير فلسفية، لكن أوغست كونت رأى أن علم الاجتماع لا يجوز أن يخضع للميتافيزيقا، وكل ما لا يقع تحت الملاحظة والتجربة ليس علمًا، ورأى أن التاريخ ينقسم إلى ثلاث مراحل، وهي كالآتي:[١] المرحلة اللاهوتية وهي مرحلة لا واقعية، وطغى عليها الطابع الديني المرحلة الميتافيزيقة وكانت مصبوغة بالطابع التأملي، وظهرت في آخرها إرهاصات لمرحلة اتسمت بالصبغة العلمية. المرحلة العلمية، أو الوضعية وهي المرحلة التي تأثرت بالعلوم الطبيعية، ويقول أوغست كونت أنها “المرحلة العلمية”. كما أكّد كونت على ضرورة مقارنة واقع المجتمعات، وبهذا يكون النظرة الوضعية قدمت أهم الإسهات في دراسة الواقع الاجتماعي، ويقول أوغست كونت: تقدم الفلسفة الوضعية الأساس المتين لإعادة التنظيم الاجتماعي، الذي يجب أن يحل محل الجو النقدي الذي تعيش فيه أغلب الدول المُتحضرة الآن.”[١] النظرية الماركسية وهي من أشهر النظريات الاجتماعية التي تشكلت نتيجةً لتطور فلسفة ماركس وإنجلز المادية، فقد أسسا إلى الاشتراكية والشيوعية، إلّا أنّ الهدف النهائي للماركسية هو الوصول إلى مُجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، وعدّا الشيوعية واقعًا اجتماعيًا عادلًا مُقارنةً بالرأسمالية، التي تقوم على التفاوت الطبقي والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.[٢] نظرية التطور الاجتماعي تعُرف بالمادية التاريخية، وفي ذلك إشارة إلى مدى ارتباط أبحاث ماركس بالمادة، والمدرسة المادية هي مدرسة فلسفية تعتقد بأسبقية المادة على الوعي، وتستند في نظريتها المعرفة إلى الواقع، والتجربة، ولا تعتمد على العقل والتأمل، ومراحل التطور الاجتماعي هي كالآتي:[٣] المرحلة المشاعية وهي المرحلة البدائية، ولا ينتج فيها الإنسان فائض القيمة. مرحلة العبودية وينقسم فيها الواقع الاجتماعي إلى طبقتين وهما العبيد والأسياد، ويبدأ فيها الاستغلال، نتيجةً لفائض القيمة الذي يرجع إلى الأسياد على شكل أرباح. المرحلة الإقطاعية ويسود الواقع الاجتماعي فجوة مُخيفة بين أصحاب الأراضي، والفلاحين العاملون فيها. المرحلة الرأسمالية ويبلغ فيها الاستغلال أقصى درجاته، ونتيجةً لحدّة الصراع بين طبقة البروليتاريا، وطبقة البرجوازيين، ومن قوانين الجدل أن التغيّر الكمي يُؤدي إلى تغير نوعي في الواقع الاجتماعي، يبلغ استنتاج فائض القيمة أعلى الدرجات المُمكنة، أمّا التغير فيكون من خلال الثورة، بعد تراكُم فائض القيمة. المرحلة الاشتراكية وفيها يحدث ثورة على النظام الذي كان سائدًا فيتغير المجتمع، وتصل البروليتاريا بنضالها للحكم، وهذا تمهيد للشيوعية التي تتميز بكونها مرحلة لا طبقية. النظرية البنائية الوظيفية وهي من النظريات الحديثة التي تشكلت نتيجة لتعمّق البحث الإمبريقي في علم الاجتماع، لكن المؤرخون يرون أن لها جذور في الفلسفة اليونانية، في فلسفة أرسطو، ومن أهمّ ما سعت له النظرية الوظيفية هو وضع نظرية بديلة عن النظرية الماركسية، وتنتمي إلى النظرية الوضعية، وتصطبغ بصبغة علمية، وتنتقد كل ما هو لا واقعي

تواصل معنا