الجليد الوردي
يؤدي الجليد القطبي أدوارًا بيئية هامة متعددة؛ فهو يحافظ على توازن أنماط الطقس ويعمل بمثابة مكيف هواء طبيعي. ولكن المناطق القطبية تعاني إثر التأثيرات الكارثية للاحترار العالمي، ومن ثم ينصهر الجليد بمعدلات سريعة للغاية متسببًا في تقلص الغطاء الجليدي وارتفاع مستوى سطح البحر.

عندما نتخيل الجليد القطبي فإننا حتمًا نفكر في غطاء ثلجي أبيض ممتد يكسوه الجليد. تقوم هذه السطوح البيضاء بعكس أشعة الشمس إلى الفضاء مرة أخرى فيما يُعرف بظاهرة الألبيدو؛ وهذا ما يساهم في تنظيم المناخ على كوكب الأرض. وكلمة «ألبيدو» هي في الأصل كلمة لاتينية تعني «البياض»؛ وهي تشير إلى قدرة السطوح على عكس أشعة الشمس. وتتمتع السطوح الثلجية المغطاة بالجليد بقدرة ألبيدو عالية جدًّا.
وقد كشفت مجموعة من الباحثين في دراسة حديثة نسبيًّا نشرت في دورية Nature Communication عام 2016 عن خطر داهم يهدد قدرة الألبيدو التي تتمتع بها المناطق القطبية. فقد تبين أن السطوح القطبية البيضاء تتحول إلى اللون الأحمر بفعل طحالب ذات صبغة حمراء تعيش في الجليد. وهكذا، تعمل السطوح الأشد دُكنة على تقليل قدرة الجليد على عكس أشعة الشمس. بل على العكس، فإنها تمتص مزيدًا من الحرارة متسببة في ارتفاع معدلات الانصهار. ما نحن بصدده الآن هو دائرة مفرغة تفاقم من تأثير الصوبة الزجاجية. فكلما زادت السطوح الجليدية دفئًا، أمست الظروف البيئية أفضل لازدهار الطحالب الحمراء وأصبح اللون أدكن، وهكذا.
تبني الطحالب الحمراء مستعمرات كثيفة وتكون في أوج ازدهارها خلال فصلي الربيع والصيف. وهي تنتج تلك الصبغة الحمراء بوصفها وسيلة دفاعية ضد الإشعاع. كذلك تتمتع هذه الطحالب بقدرة عالية على امتصاص الضوء، وهذا يؤدي إلى تدفئة الثلج وانصهاره بشكل أسرع.

قام الباحثون بجمع عينات من سطوح جليدية قطبية بمنأى عن بعضها ووجدوا أن مستعمرات الطحالب الجليدية واسعة الانتشار وذات درجات صبغية متنوعة. أي أن الطحالب الحمراء عالمية ولا تنحسر في مكان واحد وفقًا لعوامل معينة، ومن ثم فإنها تتكاثر في كلِّ مكان
ويشير الباحثون في الدراسة: «لقد أثبتنا أنه من شأن هذه الظاهرة المعروفة بالجليد الأحمر أن تقلل من قدرة الألبيدو بنسبة تصل إلى 20%، فيؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات انصهار الجليد». ولأن الأمر بالغ الخطورة، يرى هؤلاء الباحثون أنه لا بد من وضع هذا العامل الحيوي المؤثر على قدرة الألبيدو في الاعتبار في الدراسات المناخية، وأن عليها الانتباه أكثر إلى علم الأحياء الثلجية الدقيقة.

تواصل معنا