الزراعة في الفضاء الخارجي
مع ازدياد الكوارث البشرية والطبيعية التي تضرب كوكب الأرض، يعمل العلماء حاليًّا على عدة مشروعات تهدف لإيجاد كواكب أخرى صالحة للحياة. فعلى سبيل المثال، يوجد على الأرجح مياه سائلة على سطح كوكب المريخ؛ مما قد يؤهله ليصبح موطننا الجديد يومًا ما.
وقد قام مؤخرًا عالمان – جياكومو تشرتيني وزميله ريكاردو سكالينج – بقسم علوم النبات والتربة والبيئة، بجامعة باليرمو في إيطاليا بنشر دراسة في دورية “علوم الكواكب والفضاء”، يزعمون فيها أن أسطح كوكبي الزهرة، والمريخ، والقمر تبدو صالحة للزراعة.
فعلى كوكب الأرض يوجد خمسة عوامل لتكوين التربة: الصخر الأصلي، والمناخ، والتضاريس، والتوقيت، والكائنات الحية في المنطقة من نباتات وحيوانات. إلا أن ذلك العامل الأخير محط جدل بين العلماء؛ فيقول تشرتيني: “يظن معظم العلماء أن الكائنات الحية ضرورية لتكوين التربة، في حين يعتقد البعض الآخر – ومن بينهم أنا شخصيًّا – أن المناطق الهامة على كوكبنا، مثل الوديان الجافة في القارة القطبية الجنوبية أو صحراء أتاكما في تشيلي، تكاد تربتها تخلو من الكائنات الحية. فيؤكدون على أن تكوين التربة لا يتطلب وجود كائنات حية”.
ويزعم الباحثون أن تصنيف أي مادة كتربة يعتمد على التجوية؛ فوفقًا لهم فإن التربة هي أية قشرة كوكبية معرضة للجو، ومن ثَمَّ فإنها تحتفظ بالمعلومات الخاصة بالتاريخ المناخي والجيوكيميائي. والتجوية على أسطح الزهرة، والمريخ، والقمر تحدث بطرق مختلفة.
أما كوكب الزهرة، فيتميز بغلاف جوي كثيف يساوي ضغطه 91 ضعف الضغط الموجود عند مستوى سطح البحر على كوكب الأرض، ويتكون بشكل أساسي من ثاني أكسيد الكربون وقطرات حامض الكبريتيك، إلى جانب كمية قليلة من المياه والأكسجين. يعتقد العلماء أن التجوية على كوكب الزهرة حدثت بفعل عمليات حرارية أو تآكل بسبب الغلاف الجوي، والانفجارات البركانية، وآثار النيازك الكبيرة، والتعرية جرَّاء الرياح.
وأما كوكب المريخ، فتهيمن عليه التجوية الفيزيائية جرَّاء تأثير النيازك والتغيرات الحرارية أكثر من العمليات الكيميائية. ووفقًا لتشرتيني لا يوجد نشاط بركاني ذو تأثير في سطح كوكب المريخ؛ إلا أن اختلاف درجات الحرارة بين نصفي الكوكب يتسبب في رياح شديدة. كما أضاف تشرتيني أن الهالة الحمراء المهيمنة على طبيعة الكوكب، والتي هي بفعل صدأ معادن الحديد، تعتبر مؤشرًا على التجوية الكيميائية في الماضي.
وأما القمر، فتكسوه طبقة من الحطام السائب تغطي طبقة أخرى من الصخور الصلبة. وتتضمن عمليات التجوية على سطحه التغيرات الناجمة عن تأثير النيازك، والترسيب، والتفاعلات الكيميائية الناتجة عن الرياح الشمسية التي تتفاعل مع سطح القمر مباشرة.
ومع ذلك، يشعر بعض العلماء أن التجوية وحدها لا تكفي، وأن وجود كائنات حية جزء لا يتجزأ من أية تربة. فيقول تشرتيني إن: “دراسة التربة على الكواكب القريبة من الأرض تهدف إلى تحديد تسلسل الظروف البيئية التي تسببت في التكوين الحالي للتربة؛ ومن ثم تساعد على إعادة تشكيل التاريخ العام لتلك الأجسام”.
في عام 2008 قام المسبار فينيكس التابع لوكالة ناسا بأول تجربة كيميائية رطبة باستخدام تربة كوكب المريخ. فقال العلماء الذين قاموا بتحليل البيانات إن الكوكب الأحمر قد يكون به بيئات أكثر صلاحية للحياة مما كان متوقعًا؛ فبيئاته قد تصلح لقيام زائري الكوكب من البشر بزراعة المحاصيل.
“توجد دلائل كثيرة على وجود المياه على سطح المريخ بسبب وجود الأملاح”، هكذا صرح الباحث المشارك في تجربة المسبار فينيكس – سام كونافس من جامعة تافتس – خلال تصريح صحفي بعد التجربة. “كما وجدنا كمية معقولة من المغذيات، أو المواد الكيميائية اللازمة لبدء الحياة كما نعرفها”.
أحد استخدامات التربة الأساسية على الكواكب الأخرى هي الزراعة؛ وذلك لإنتاج المحاصيل الغذائية وتعزيز حياة البشر الذين من الممكن أن يعيشوا على سطح الكوكب يومًا ما. على الرغم من ذلك، يشكك بعض العلماء في أهمية وجود تربة مناسبة للزراعة في الفضاء.
فقد وجد الباحثون على سطح المريخ آثارًا للمغنسيوم، والصوديوم، والبوتاسيوم، والكلوريد؛ كما أظهرت البيانات أيضًا أن تربته قلوية، وهو اكتشاف تحدى الاعتقاد الشائع بأن سطحه حمضي. تلك المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال تحليلات التربة ستكون هامة في المستقبل؛ لتحديد أفضل كوكب لاستدامة الحياة البشرية