حركة الإقراض فى النصف الأول من عام 2025 تُجيب بوضوح عن سؤال مستقبل الاقتصاد المصرى. فنحن أمام اقتصادٍ يتجه تدريجيًا من الاعتماد على تمويل الدولة إلى الاعتماد على تمويل الإنتاج. الأموال التى تدفقت من البنوك خلال هذه الفترة لم تكن مجرد أرقام مالية فى تقارير رسمية، بل مؤشرات حيّة على المسار الذى يسير نحوه الاقتصاد المصرى فى عام 2026.. الأرقام تُظهر أن مصر بدأت تعتمد أكثر على مواردها الداخلية كمصدر رئيسى للنمو، وأن التمويل المحلى أصبح المحرك الأساسى للنشاط الاقتصادى فى مرحلة جديدة من التحول البنكى الهيكلى
بلغت أرصدة الإقراض فى البنوك المصرية نحو 9.14 تريليون جنيه، أى ما يعادل قرابة ثلث الناتج المحلى الإجمالى، وهو رقم مرتفع فى اقتصادٍ نامٍ ويعنى أن الجهاز المصرفى أصبح يمول التنمية من الداخل. هذا ليس تضخمًا فى حجم القروض بقدر ما هو تحوّل فى فلسفة النمو: من اقتصاد يعتمد على الخارج إلى اقتصاد يغذى نفسه ذاتيًا عبر الائتمان المحلى. فالدولة التى كانت قبل سنوات تعتمد على التمويل الأجنبى لسد الفجوات التمويلية، أصبحت تمتلك اليوم منظومة مصرفية قادرة على إدارة رأس المال الوطنى وتوجيهه نحو القطاعات المنتجة، وهو ما يخلق دورة مالية أكثر استقلالية واستدامة.
رغم أن التمويل الحكومى لا يزال يستحوذ على النصيب الأكبر من محفظة القروض، فإن طبيعته تغيّرت بعمق، فبعد أن كان الاقتراض موجّهًا لسدّ العجز الجارى، أصبح اليوم أداة لتمويل المشروعات القومية والبنية التحتية طويلة الأجل. هذا التحول من «التمويل الاستهلاكى» إلى “التمويل التنموى” يمثل نواة جديدة للسياسة المالية المصرية، إذ لم تعد الديون عبئًا على الدولة، بل أصبحت وسيلة لبناء أصولها وتعزيز طاقتها الإنتاجية.. السياسة النقدية التى ينتهجها البنك المركزى فى ضبط الائتمان وأسعار الفائدة ساعدت فى بقاء هذا المسار متوازنًا دون التضحية بمرونة تمويل التنمية.
التحول الأبرز فى الإقراض المصرفى هو عودة الصناعة والخدمات لتكونا القاطرتين الرئيسيتين للاقتصاد المصرى.
التعليقات معطلة.