يرجع تأسيس نظرية النظم إلى عبد القاهر الجرجاني، وترتكز فكرة نظريته على أسس معينة، ولعلّ أهمها علم النحو الذي يُعنى بالألفاظ والتراكيب، ويُقصد بالنظم توخّي معاني النحو وفقاً للأغراض التي يُصاغ منها الكلام، وبالتالي فإنّ معاني النحو هي التي تتعلّق بالفكر، ولا يقتصر النظم على تتابع النطق بالألفاظ، فلو كان هذا هدفه لاستوى الجميع في حسن النظم وسوءه، إلّا أنّه يُقصد به أيضاً تناسق دلالات الألفاظ، وتلاقي معانيها على الوجه الذي يقتضيه العقل، وبالتالي فإنّ النظم يُعنى بالمعاني وليس الألفاظ، فالألفاظ هي التي تتبع المعاني.[٢] كتاب دلائل الإعجاز ونظرية النظم يُعدّ كتاب دلائل الإعجاز أحد أشهر مؤلفات الجرجاني، حيث قاده للتوصل إلى نظريته المشهورة والتي تُعرف بنظرية التعليق أو نظرية النظم، وقد سبق الجرجاني علماء عصره في هذه النظرية، والتي لا تزال إلى اليوم تُدهش الباحثين المعاصرين، وتقف في موقف قوي أمام نظريات اللغويين الغربيين في العصر الحديث.
ويُشار إلى أنّ الجرجاني كان يهدف من كتابه دلائل الإعجاز إلى الردّ على من يزعم أنّ إعجاز القرآن الكريم نابع من الألفاظ، ورفض اعتبار الإعجاز بسبب المفردات والمعاني، أو جريانها على الألسن، كما رفض إرجاع الإعجاز إلى الاستعارات، أو المجازات، أو الفواصل، أو حتّى الإيجاز، ولكنّه اعتبر أنّ سبب إعجاز القرآن الكريم هو حسن النظم.[٣] ولا تهتم نظرية النظم بمعاني الكلمات المفردة إذا لم تنتظم في سياق تركيبي مُعيّن، وترى هذه النظرية أنّ الدلالة المعجمية معروفة لدى معظم أهل اللغة، ولكنّ مستخدم اللغة يسعى إلى دلالة اللفظ التي تكتسبها خلال نظمها وفقاً لسياق تركيب العبارات، وذلك لأنّ اختلاف دلالة اللفظ يتبع التركيب النحوي الذي تنتظم به، وكذلك المواضع المختلفة للفظة في السياقات الناتجة عن أصل سياقي واحد