المقدمة
شهد الاقتصاد العالمي خلال العقود الأخيرة تحولات متسارعة نتيجة تصاعد الأزمات البيئية والضغوط الاجتماعية المرتبطة بنماذج النمو التقليدي، التي تسببت في استنزاف الموارد، وتفاقم التلوث، وتعميق الفجوات الاقتصادية. في ظل هذه التحديات، برز مفهوم الاقتصاد الأخضر كأحد التوجهات الحديثة الرامية إلى تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، وذلك عبر تبني سياسات إنتاج واستهلاك مستدامة، وتحفيز الابتكار في مجالات الطاقة النظيفة، والنقل المستدام، والزراعة البيئية، وإدارة النفايات.
ويقوم الاقتصاد الأخضر على إعادة توجيه الاستثمارات نحو أنشطة صديقة للبيئة، تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتحقيق نمو اقتصادي منخفض الكربون وشامل اجتماعيًا. وقد حظي هذا التوجه بدعم قوي من المؤسسات الدولية كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، والبنك الدولي، حيث أصبح ركيزة أساسية في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030.
في هذا السياق، تسعى مصر، باعتبارها من الدول النامية ذات الإمكانات المتنوعة، إلى دمج مبادئ الاقتصاد الأخضر ضمن استراتيجياتها التنموية، من خلال رؤية مصر 2030، والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وتبني مشروعات كبرى في مجال الطاقة المتجددة، مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية، ومحطات الرياح في خليج السويس، بالإضافة إلى التوجه نحو الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وتعزيز دور الاستثمار الأجنبي في تمويل هذه التحولات.
ومع ذلك، لا يزال التحول نحو الاقتصاد الأخضر في مصر يواجه تحديات متعددة، من بينها محدودية التمويل، وتفاوت الوعي المؤسسي والمجتمعي، فضلاً عن الحاجة إلى تحديث الأطر القانونية، وضمان التوزيع العادل لعوائد التنمية الخضراء. وبينما تُظهر البيانات تحسنًا نسبيًا في مؤشرات الطاقة النظيفة وكفاءة الموارد، فإن قياس الأثر المباشر للاقتصاد الأخضر على النمو الاقتصادي لا يزال يتطلب تحليلًا معمقًا يجمع بين الأدلة النظرية والتجريبية.
مشكلة الدراسة
تتمثل مشكلة الدراسة في تزايد الضغوط البيئية والاقتصادية على مصر خلال العقود الأخيرة، مما يفرض الحاجة إلى تبني سياسات جديدة تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة. ويأتي الاقتصاد الأخضر كخيار استراتيجي لتحقيق هذا التوازن، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات مؤسسية وتمويلية. من هنا، تسعى الدراسة إلى تحليل مدى مساهمة الاقتصاد الأخضر في تحقيق التنمية المستدامة في مصر، وتقييم فعالية السياسات والمشروعات القائمة ضمن هذا الإطار.
تتمثل المشكلة البحثية في السؤال الرئيسى التالي:
“ما مدى فاعلية السياسات والمشروعات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر خلال الفترة 1990-2024؟”
ويتفرع من هذا التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية، منها:
ما هي أبرز ملامح التحول نحو الاقتصاد الأخضر في مصر؟
كيف أسهمت المشروعات الكبرى مثل مجمع بنبان وطاقة الرياح في دعم النمو الاقتصادي؟
ما مدى ارتباط السياسات البيئية المصرية مع أهداف التنمية المستدامة؟
ما دور الاستثمار الأجنبي المباشر في دعم الاقتصاد الأخضر؟
ما أبرز التحديات المؤسسية والمالية التي تواجه تطبيق الاقتصاد الأخضر في مصر؟
ما الآليات المقترحة لتعزيز التمويل الأخضر وتحقيق نتائج مستدامة؟
أهمية الدراسة
تكمن أهمية هذه الدراسة في تحليل فاعلية السياسات والمشروعات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر في مصر، وتسليط الضوء على مدى مساهمتها في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتبرز أهميتها فيما يلي:
تقديم تحليل عملي لتجربة مصر في تطبيق الاقتصاد الأخضر من خلال المشروعات الكبرى والسياسات البيئية المتبعة.
تقييم مدى تكامل السياسات الحكومية مع أهداف التنمية المستدامة في السياق المصري.
أهداف الدراسة
بناءً على ما تقدم، تهدف هذه الدراسة إلى تحليل دور الاقتصاد الأخضر في دعم النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في مصر خلال الفترة 1990–2024، من خلال دراسة السياسات الحكومية، والمبادرات المؤسسية، والمشروعات الميدانية، وتقييم مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في تسريع التحول الأخضر.
كما تسعى الدراسة إلى رصد التحديات القائمة واقتراح توصيات عملية تدعم صُنّاع القرار في تبني نماذج أكثر كفاءة وعدالة في إدارة الموارد وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية في آنٍ واحد.
ويمكن اشتقاق من الهدف الأساسي مجموعة من الأهداف الفرعية وهي:
تحليل تجربة مصر في التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال السياسات والمشروعات المنفذة.
تقييم دور هذه السياسات في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
دراسة دور الاستثمار الأجنبي والتمويل الأخضر في دعم مشروعات الطاقة المتجددة.
تقديم توصيات عملية لتعزيز مساهمة الاقتصاد الأخضر في تحقيق نمو اقتصادي مستدام في مصر.
فرضية الدراسة
تفترض الدراسة وجود علاقة إيجابية بين تبنّي السياسات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر وتحقيق نمو اقتصادي مستدام في مصر خلال الفترة 1990–2024، حيث تسهم المشروعات الخضراء والاستثمارات البيئية في تحسين كفاءة الموارد، وزيادة الإنتاجية، وتقليل الآثار البيئية السلبية.
منهجية الدراسة
تعتمد الدراسة على المنهج الاستقرائي، من خلال تحليل البيانات الكمية المتعلقة بالاقتصاد المصري خلال الفترة 1990–2024، مع التركيز على السياسات البيئية والمشروعات الكبرى مثل مجمع بنبان ومحطات الرياح. وتشمل أدوات التحليل:
التحليل الوصفي لتقدير أثر الاقتصاد الأخضر على مؤشرات النمو.
تحليل السياسات الحكومية والمبادرات الوطنية في ضوء أهداف التنمية المستدامة.
حدود الدراسة
الحدود الزمنية: تغطي الدراسة الفترة من 1990 إلى 2024، والتي شهدت تحولات ملحوظة في السياسات الاقتصادية والبيئية في مصر.
الحدود المكانية: تركز الدراسة على الحالة المصرية كنموذج تطبيقي.
الحدود الموضوعية: تقتصر على تحليل العلاقة بين الاقتصاد الأخضر والنمو الاقتصادي، ودور المشروعات والسياسات في تحقيق التنمية المستدامة.

