الأرجح أن الإعلام الطبي مهمة شائكة وصعبة، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بمسائل حساسة كالدماغ، المركز الساحر للتفكير والخيال والنوم والموت، والجينات الوراثية التي تتصل مباشرة بالخطابات الفكرية والسياسية، على غرار فكرة اليوجينيا [الصفاء الجيني] التي رفدت أفكار النازية وخطاباتها، بما في ذلك تبرير الهولوكوست المأسوي.
لماذا البدء بهذا التنبيه؟
يرجع ذلك إلى ظهور دراستين علميتين جديدتين ومستقلتين، يرجح أنهما رسمتا نقطة قطع مع الفكرة العلمية الراسخة طوال عقود بأن الإشارات الكهربائية في الدماغ تنتقل من عصب إلى آخر بشكل مباشر، عبر نقاط التقابل “ساينابس” Synapse بين الطرفين، فكأنها تسير في سلك كهرباء. ويشار إلى تلك النظرية بمصطلح “كونكتومز” Connectomes، وتعتبر أساس مصطلحات أخرى كالدوائر العصبية الدماغية Neurocircuits وغيرها.
وفي المقابل، بينت الدراستان عبر جهود دؤوبة ومنفصلة الدور الذي يؤديه بروتين عصبي أساس Neuropeptide [بمعنى أنه من البروتينات التي تنتمي إلى تراكيب الأعصاب، وتصنع جينات معينة]، يحمل تلك الإشارات بفضل “سباحته” في السوائل المحيطة بالأعصاب الدماغية، فيصل بها حتى إلى مسافات أبعد من انتقالها المباشر.
من عصب إلى آخر كأنه سلك كهرباء
توضيحاً، يتضمن مفهوم الانتقال العصبي المباشر أنه في نقاط التقابل، يؤدي وصول الإشارة الكهربائية إلى إطلاق مواد كيماوية من طرف عصب إلى رأس عصب آخر، يتلقى تلك المواد في مساحات محددة على سطحه، تسمى مستقبلات Receptors، فيتحرك تيار كهرباء في العصب المتلقي وتسير إلى طرفه ثم تنتقل إلى رأس عصب آخر وهكذا دواليك. وغالباً ما يشار إلى ذلك الانتقال أنه انتقال سلكي “واير”.
السبت 28 ديسمبر 2024