صوت الأرض
دائمًا ما تحدثنا الطبيعة الأم؛ ولكنها تتحدث بلغة لا يفهمها إلا المستمع المخلص. في الواقع، هي لا تتكلم فحسب، بل تغني أيضًا. ففي بعض المناطق على سطح الكرة الأرضية، «تغني» الرمال وهي تنحدر على الكثبان، فتصدر صوتًا هادئًا يشبه صوت آلة التشيلو. وقد أثارت هذه الأصوات الغريبة الذعر في نفوس المسافرين لآلاف السنين.
تغني الكثبان عندما تنحدر الرمال على جانبيها؛ كما يمكن أن يحرك الناس الرمال بأنفسهم. أحيانًا، تتسبب الرياح في بعض الانهيارات الرملية ليصدر عنها صوت مضوي ومفاجئ يشبه صوت الكورال الموسيقي. وقد اعتقد العلماء في الماضي أن هذا الصوت يصدر لأن الرمال المنهارة تنتج ذبذبات في طبقات الكثبان المستقرة السفلية. ولكن في عام 2009، اكتشف باحثون بجامعة فرنسا أن انهيار الرمال نفسه هو ما يخلق صوت الموسيقى، وليس الكثبان.
لدراسة هذه الظاهرة، قام الفيزيائي سيمون داجويس-بوهي وزملاؤه من الباحثين في جامعة باريس ديدديرو بفرنسا برصد كثبانين رمليين: أحدهما بالقرب من طرفاية، وهي مدينة بها ميناء في جنوب غرب المغرب، والآخر بالقرب من أسخرة، وهي مدينة ساحلية في جنوب شرق عمان. في المغرب، تصدر الرمال صوتًا منتظمًا يشبه صوت النوتة الموسيقية عند تردد 105 هيرتز. والرمال العمانية تغني أيضًا، لكنها في أغلب الأحيان تصدر نغمات متنافرة عند جميع الترددات تقريبًا ما بين 90-150 هيرتز.
وعلى الرغم من أن غناء الكثبان الرملية العمانية نشازًا، فقد حدد العلماء بعض النغمات التي كانت أقوى من النغمات الأخرى. لاحظ العلماء أيضًا أن حبات الرمال العمانية لها أحجام متنوعة على عكس نظيراتها المغربية؛ فيتراوح حجم حبات رمال الكثبان العمانية بين 150-310 ميكرونًا، بينما يتراوح حجم حبات رمال الكثبان المغربية بين 150-170 ميكرونًا فقط. ونتيجة لذلك، أحضر داجويس-بوهي حبات من الكثبان العمانية إلى المعمل.
في البداية قام الباحثون بوضع الرمال على منحدر صناعي، وسجلوا صوت الرمال وقاسوا اهتزازات الرمال. ثم استخدموا غربالًا لفصل حبيبات الرمال التي يتراوح حجمها بين 200-250 ميكرون، وجعلوا الرمال تنحدر على نفس المنحدر. وقارنوا صوت الرمال التي قاموا بعزلها مع صوت الرمال مختلطة الأحجام؛ فوجدوا أن الرمال ذات الحجم الكبير تصدر صوتًا مزعجًا، والرمال ذات الحجم الصغير تصدر صوتًا واضحًا عند تردد حوالي 90 هيرتز، مثلما تفعل الرمال المغربية بشكل طبيعي. وتشير هذه النتائج إلى أن حجم الحبات عامل مهم في تحديد النغمة التي تصدرها الرمال.
اقترح فريق البحث أن حجم حبات الرمال يؤثر على نقاء النغمات التي تصدرها الكثبان الرملية؛ فعندما تختلف أحجام حبات الرمال، تتدفق الرمال بسرعات مختلفة لتنتج نغمات كثيرة. وعندما تكون الحبيبات بنفس الحجم، تنحدر الرمال بسرعة ثابتة إلى حدٍّ ما، مما يحصر نطاق النغمات التي تصدرها. على الرغم من ذلك، لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى سبب تحول حركة تدفق الرمال إلى أصوات تشبه النوتة الموسيقية.