عالم التصميم و الظواهر الفيزيائية
هناك قوانين أساسية في الكون لا تتغير، تحكم الأحياء وغير الأحياء على حدٍّ سواء، ويطلق عليها اسم «قوانين الفيزياء». فكل ما في هذا الكون قد خلق قبل ملايين السنين، وكانت الحضارات المختلفة منذ القدم في أغلب مناطق العالم ترصد الظواهر الطبيعية التي أسهمت بشكل كبير في تغيير مفاهيم هذه الحضارات؛ حتى إن بعض هذه الحضارات اتخذت من هذه الظواهر آلهة لها، بل رسمت ونحتت بعضها في مخطوطاتها وعلى جدارياتها. ومع التقدم العلمي والتكنولوجي استطاع العلماء تفسير عدد كبير من هذه الظواهر، فيما بقيت بعض الظواهر من الألغاز الطبيعية التي ما زال العلماء يعملون على تفسيرها.
والظاهرة الطبيعية هي كل عمل خارج عن إرادة الإنسان، أي ليس له يد في إنجازه أو حدوثه. وبعض هذه الظواهر تكون خيرًا كما هو الحال بالنسبة إلى الأمطار والثلوج، وبعضها يكون مدمرًا كالزلازل، والأعاصير، والبراكين. ولأن الظواهر الطبيعية موجودة ودائمة الحدوث فهي لا تحتاج إلى إثبات، كما أنها معروفة منذ القدم؛ إذ إن بعض الأقوام والشعوب القديمة قد دُهشت منها وذكرتها في مدوناتها، ورسمتها في كهوفها ومعابدها، وبعضها مجدها وعبدها وقدَّم لها القرابين. وكذلك هناك عديد من الظواهر الطبيعية التي يمكن وصفها باستخدام قوانين الفيزياء للمادة والطاقة، وليست من صنع الإنسان، وتُدعى الظواهر الفيزيائية.
وقد أجريت تجارب عديدة في محاولة للوصول إلى نماذج تصورية عن علاقة الظواهر الطبيعية عند تفاعلها واصطدامها استجابة لقوى الطبيعة. فصار استكشاف كيفية تشكلها اتجاهًا وأسلوبًا مستحدثًا في التصميم، كما صار اتجاهًا حديثًا للمصممين اليوم. فنشأت تصميمات رقمية متقدمة في مجال العمارة والتصميم، تعمل على استلهام الظواهر الطبيعية.
ولأننا قد تعودنا على العيش جنبًا إلى جنب مع الآلات التي توفر لنا الوصول إلى المعلومات التي لا نهاية لها؛ لم يعد المصممون يسعون إلى الأساليب واللغات الجديدة فقط، بل إلى الرسوم البيانية والأكواد والبرمجة التي تحوِّل البيانات والمتغيرات إلى أشكال فريدة. فقاموا بتصميم المباني السائلة والمرنة؛ حيث كل شيء في حالة تغير مستمر. وقاموا بإعادة توجيه خيالهم والفكر التقني نحو البنية الفراغية، واعتماد نهج جديد مشتق من الانسيابية والمرونة للفراغات. فمصدر الإلهام في التصميم الرقمي في الاتجاهات الحديثة يأتي من تعقيد الظواهر الطبيعية والتركيب العضوي لها.