كيف تتعامل الصين مع الدول المتعثرة في سداد الديون؟
على مدار العقد الماضي، أغدقت البنوك الصينية ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، على العديد من الدول القروض السخية، بعضها كان لدوافع سياسية، وأخرى لأهداف اقتصادية، في سبيل معاونة الصين في بناء الموانئ وخطط السكك الحديدية وشبكات الاتصالات في تلك البلدان لخدمة مبادرتها، حتى باتت أكبر مقرض ثنائي في العالم بالنسبة إلى البلدان الـ74 التي يصنفها البنك الدولي على أنها منخفضة الدخل.
غير أن الدول المقترضة قد واجهت من جراء ذلك معضلة حقيقية، وهي التعثر في سداد القروض ذات الآجال القصيرة والفائدة المرتفعة، في ظل عدم تحقيق المشروعات العائد المرجو منها. ومع ظهور أزمات الديون الصينية في مناطق متفرقة من العالم، أصبح هناك تراجع وعزوف صيني عن تقديم قروض جديدة، نظراً إلى عدم رضاء الصين عن فكرة قبول الخسارة، خاصةً في ظل الجهود الدولية الرامية إلى تخفيف أعباء الديون عن المتعثرين وممارسة الضغط على الصين كي تكون جزءاً من تلك المفاوضات.
خلال الفترة الأخيرة، أثير جدل واسع حول القروض الصينية ومدى جدواها وكيفية تعامل بكين معها، على خلفية بروز أزمات الديون الصينية واحدة تلو الأخرى في عدة بلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفيما يأتي نستعرض بعض النماذج التي كانت سبباً في إثارة الجدل حول تلك القضية، وتوجيه الانتقادات إلى سياسة بكين في منح القروض وطرق تعاملها مع أزمات المتعثرين:
1- استئجار الصين ميناء هامبانتوتا بسريلانكا: على مدى العقد الماضي، كانت سريلانكا واحدة من عشرات الدول النامية التي تسعى بجهود حثيثة نحو زيادة اقتراضها من الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، غير أن عدداً كبيراً من المشاريع التي كانت القروض الصينية سبباً في إنشائها، فشلت في تحقيق عائد تجاري قادر على تغطية تلك القروض الضخمة؛ ما فاقم الضغوط المالية على الحكومة السريلانكية فتخلفت عن سداد ديونها السيادية في مايو 2022، لتكون بذلك أول دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تضطر إلى فعل ذلك منذ أكثر من عقدين.
وعادةً ما تُضرَب سريلانكا مثالاً لفشل القروض الصينية في تحقيق أهداف تنموية حقيقية. ويدلل منتقدو الصين على ذلك بمشروع بناء ميناء كبير في هامبانتوتا بأموال صينية منذ سنوات، الذي وصلت تكلفته إلى مليار دولار، غير أنه واجه عقبات من أجل تحقيق الاستدامة المالية؛ ما ترك سريلانكا واقعة في شِباك ديون إضافية، واضطرت الحكومة السريلانكية إلى تأجير الميناء للصين لمدة 99 عاماً، والانتفاع به.
2- توسع الصين في قروض الإنقاذ لباكستان: تعد باكستان أكبر متلقٍّ منفرد لتمويل مبادرة الحزام والطريق في جميع أنحاء العالم بإجمالي 62 مليار دولار من التعهدات المالية الصينية؛ إذ تلقت إسلام أباد التي تصنف نفسها “صديقة” للصين، سلسلة من قروض الإنقاذ التي تهدف إلى تجنب التخلف عن سداد الديون السيادية. كان آخرها تسهيلاً بقيمة 2.3 مليار دولار تعهد بموجبه مجموعة من البنوك الصينية في شهر يونيو الماضي بتعزيز المعروض من العملة الصعبة في البلاد، بما يسمح لها بالدفع للدائنين لفترة أطول على الأقل.