لغز هجمات القرش
في عام 2010، أرهبت سلسلة من هجمات القرش الدامية شواطئ شرم الشيخ التي طالما اتسمت بهدوئها. فخلال عشرة أيامٍ، أصيب أربعة سائحين إصابات مفجعة جرَّاء هجوم القروش ومات خامسٌ إثر مداهمتها؛ وقد وقعت كل تلك الحوادث بالقرب من الساحل. ولقد كانت تلك الهجمات شرسة بدرجة جعلت الخبراء في حيرة من أمرهم عند محاولتهم تفسير سر ذلك السلوك غير المسبوق؛ وبخاصة لماذا قامت أسماك القرش بهذه الهجمات المتلاحقة على هذه المسافة القريبة من الشاطئ؟
وعلى الرغم من أنه لم يتم الإبلاغ عن أية هجمات دامية أخرى حتى يومنا هذا، فإن سبب تلك الهجمات المرعبة لم يزل لغزًا يلقي بظلاله على سمعة هذه البقعة السياحية “المثالية”. وبينما نسرد ما حدث في شرم الشيخ ونحاول التأمل في تلك الهجمات ونسترجعها، هل نستطيع الاقتراب من معرفة أسباب هجمات القرش؟ والأهم من ذلك، هل يجب أن نقلق إزاء ما إذا كان من المحتمل أن تتكرر تلك الهجمات؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، ينبغي علينا أن نفهم أولاً ما حدث بالضبط في أكثر المنتجعات المفضلة في مصر.
الهجمات
في عام 2010، هجمت أسماك القرش على ثلاثة غواصين أجانب في يومي 30 نوفمبر والأول من ديسمبر، مما نجم عنه إصابات وتشوهات خطيرة. ولقد نُسبت الهجمات في أول الأمر إلى قرش محيطي أبيض الطرف(1)، ثم إلى آخر من نفس النوع وإلى قرش الذيبة(2). وقد استجابت كلٌّ من وزارة الدولة لشئون البيئة ووزارة السياحة لتلك الهجمات بقرار غلق جميع مواقع الغوص في شرم الشيخ وبدء عملية صيد للقروش واسعة النطاق؛ فتم صيد القروش المشتبه بها وإعلان السواحل آمنة. إلا أنه بعد أيام قتل سائح ألماني مسن إثر تعرضه لهجمة قرش أخرى.
يشبه هذا السيناريو قصة فيلم “الفك المفترس” الذي أنتج عام 1975 وأرعب مشاهديه بالسينما من البحر لسنوات، غير أن هذه الأحداث حقيقية، ولا يمكن إرجاعها إلى مجموعة من أسماك القرش مضطربة العقل تحولت فجأة لكائنات قاتلة تشتهي لحوم البشر.
فعلى الرغم من أن النوعين المعتقد تورطهما في تلك الهجمات مُصَنَّفان على أنهما من الأنواع التي تمثل تهديدًا للبشر، فإنهما نادرًا ما يشنان هجومًا على الإنسان، كما لا يُنسب إليهما إلا ستة عشر حادث هجوم على البشر على مستوى العالم منذ بداية تسجيل هجمات القرش. وقد أفاد ريتشارد بيرس، رئيس أمانة أسماك القرش (Shark Trust) وجمعية حماية القرش (Shark Conservation Society)، أن “تلك الهجمات المتلاحقة غير مسبوقة؛ حيث لم يعرف مثل ذلك الهجوم المتكرر لهذين النوعين على الإنسان قبل ذلك. فهذه الأنواع لا تهاجم البشر ببساطة من أجل التسلية، كما أن الإنسان ليس من وجباتها المفضلة؛ فلا تسعى تلك القروش لافتراس البشر. وكما هو واضح من كلمة “محيطي” في اسمها فإن مثل تلك الأنواع لا توجد عادة بالقرب من الشواطئ؛ حيث إنها تفضل المحيطات المفتوحة”.
يعني هذا أنه كان هناك محفز ما لجذب تلك القروش إلى الشاطئ ولمهاجمتها المتكررة للإنسان. ولأننا نحن البشر لنا تأثيرات كثيرة على النظم الإيكولوجية هذه الآونة، فما حفّز تلك القروش كان على الأرجح صنيعة أيدينا دون أن نعي ذلك.
الأغنام مذنبة
كان للخبراء وعلماء الأحياء المائية الذين ذهبوا لتقييم الموقف العديد من النظريات حول المحفّز المحتمل لتلك الهجمات. وأشار الافتراض الأجدر بالتصديق إلى أن تلك الهجمات كانت نتيجة لإلقاء جثث أغنام في البحر.
فقد كانت هناك مزاعم حول شحنات كبيرة من الأغنام تم إلقاؤها في البحر بعدما نفقت في الطريق إلى مصر من أستراليا. وعلى الرغم من أن مدير تصدير الثروات الحيوانية بأستراليا شهد أنه – على حد علمه – لم تمر أية سفن محملة بماشية من هذا الطريق في العشر إلى أربعة عشر يومًا السابقة للهجمات؛ فقد كان هناك شهود زعموا أنهم رأوا عملية إلقاء الأغنام النافقة في البحر. والافتراض هو أن تلك الجثث كانت بمثابة طعوم جذبت القروش بالقرب من الشاطئ؛ حيث هاجمت ضحاياها.
السياحة مذنبة
على الرغم من عدم قانونية تلك الممارسة، فمن المعروف أن المرشدين السياحيين يقومون بإلقاء طعوم في المياه لاجتذاب القروش نحو القوارب لكي يتمكن السياح من مشاهدتها، ويحدث ذلك خاصة خلال جولات اليوم الواحد بالقوارب ذات الأرضيات الزجاجية التي تأخذ السائحين لمشاهدة الأسماك. وفوق ذلك، فحسب السكان المحليين فإن مدارس الغوص أحيانًا ما تلقي طعومًا للقروش؛ لتبهر عملاءها أثناء الدروس، ولتنافس مدارس الغوص الأخرى وتجتذب العملاء إليها.
ومن المعروف أن هذه الممارسة المعروفة “باجتذاب” الأسماك تخل بالنظام الإيكولوجي البحري وتجعل القروش تربط ما بين البشر والطعام، مما يمكن أن يكون قد أدى إلى تلك الهجمات.