لا ينزل المرء إلى السوق ليشتري صفراً من اللحم والخضار، ولا يتاجر رجل الأعمال بصفر من الأدوات، ولا يمكن أن نقطع مسافة صفر متر، ولا توجد خزانة طولها صفر سنتيمتر، ومع ذلك، فإن الصفر يرافقنا في حياتنا كما يرافقنا الظلّ في الشمس، لا هو ملموس ولا هو مادة، ولا هو عدم أو لا شيء في الوقت عينه.
كان من المفترض أن يكون الرقم أو العدد صفر مجرد فراغ مكاني في الأعداد، فلو كتبنا رقم 203 مثلاً، فإن الصفر يدل إلى أن هذا الرقم لا يحتوي على العشرات، وفي الرقم 10 يدل الصفر فيه إلى عدم وجود أي عدد في خانة الآحاد، وأن هذه الخانة فارغة، وأن الرقم واحد يدل إلى الرقم 10.
ومع تطور الحضارة البشرية ومعارفها وعلوم الرياضيات والفيزياء والفلك والهندسة والكمبيوتر والمال والأعمال، لم يعد الصفر مجرد عدد يؤدي وظيفة مكانية داخل الأعداد، بل بات له تأثير في تحقيق المعادلات في سائر العلوم، وبات ذا ثقل وقيمة لا تدلل إلى الفراغ العدمي بل إلى فراغ ذي قيمة، وهذا المفهوم للصفر كان موجوداً في الفكر البشري.
وقبل أن يكون الصفر عدداً، فقد ناقش البشر مفهوم اللاشيء أو العدم والفراغ ومعانيها قبل أن يحولوه إلى عدد يبتدئ من الأعداد إلى ما لا نهاية صعوداً، ومنه إلى ما لا نهاية نزولاً إذا افترضنا أن الأعداد السالبة كناقص واحد (-1) وناقص اثنين (-2) تتجه نزولاً.