دراسة عن تيارات الفكر الاقتصادي المعاصر والتنمية العربية
ثلاثة تيارات معاصرة تناولت دور الدولة في التنمية بوصفها تحويلًا صناعيًا، ودور النظام الدولي وامتداداته في كل بلد من البلدان النامية في إعاقة هذا التحويل. وهي تيار المؤسساتية المقارنة (Comparative Institutional Approach) وتيار البنيوية الجديدة (New Structuralism) وتيار ما بعد الكينزية (Post-keynesianism).

والأشهر في تيار المؤسساتية التاريخي هو كارل بولانيي. وقد عرضت أفكار هذا التيار من خلال أعمال جيل الثمانينيات والتسعينيات من المؤسساتيين، ممثلًا ببيتر إيفانز من جامعة باركلي وتيدا سكوكبول وديتريش ريشماير. وهي أعمال وضعت هذا التيار على مسافة من الماركسية الجديدة الذي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، والنفعيين الجدد (New Utilitarianissts) الذين وفّروا للنيوليبرالية قاعدتها الفكرية منذ ثمانينيات القرن العشرين.

واعتُمدت أعمال الإسكوتلندي ريموند هينبوش لتعريف البنيوية الجديدة وتمييزها من القديمة. وهذه الأخيرة تنصّب «النظام الدولي» مسؤولًا وحيدًا عن مصائر بلدان العالم الثالث. أما الجديدة فتأخذ في الحسبان دور النخب المحلية في جعل التبعية واقعًا قائمًا. واعتُمدت مساهمات توني سميث ورونالد روبنسون لوضع التبعية في سياقها التاريخي.

واعتُمدت أعمال الباحثين في التيار ما بعد الكينزي، وخصوصًا ماريو سيكاريسيا ومارك لافوا، للتعريف بفكر كينز وعلى نحو مغاير لما سوّقته عنه المدرسة النيوكلاسيكية، وللتعريف بـ «كينزية ما بعد الحرب» (1945 – 1980)، وللتعريف بالأساسيات في فكر كينز. وأهمّ هذه الأساسيات، أسبقية الطلب الاستثماري وليس الادخار في تحقيق النمو، ومسؤولية الدولة في الحلول محل القطاع الخاص إذا استنكف هذا الأخير عن الاستثمار. يحصل ذلك إذا تحوّل أفراد هذا القطاع إلى «أصحاب ريوع مالية» (Financial Rentiers). ويقول كينز إن على الدولة، في هذه الحال، أن تذهب إلى «تأميم الاستثمار»، وتتنكّب مسؤولية التحوّل إلى «المستثمر الأول» في الاقتصاد.

تتكامل هذه التيارات الثلاثة في تقديم جواب عن معضلة التنمية. وإذا كانت المؤسساتية المقارنة تقدم الدليل على أن لا مناص من دور الدولة في التنمية وما هي شروط هذا الدور، فإن ما بعد الكينزية تسهب في عرض السياسات التي تتولى الدولة اعتمادها، في حين تعيّن البنيوية الجديدة العوائق التي تتأتى من طبيعة النظام الدولي وتمنع الدولة من تنكّب دورها.

التعليقات معطلة.