آداب الشراب والطعام
هدي النبي في الأكل كان من هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الطعام أنّه لا يردّ ما يُقدّم له، ولا يطلب ما يفقده، فما يقرّب له من الطعام يأكله إلّا أن تعافُه نفسه، فيردّه دون أن يعيبه، وكان يأكل معظم الطعام وهو جالس على الأرض، ومن عظيم تواضعه أنّه كان يأكل بثلاثة أصابعٍ، ويلعقها حين يفرغ من الأكل، وكان يأكل ما يجده من الطعام، حتى وإن كان خلّاً، فإن لم يجد ما يأكله بات دون طعام، وربما ربط على بطنه حجراً من شدّة الجوع، وكان يُكرم جميع الأكل، وخاصّةً الخبز منه،[١] وكان من هديه أن ينتظر الطعام الساخن حتى يبرد، مع مراعاة تجنّب النفخ فيه، وإذا وقع الذباب في الإناء كان يغمس جميع الذبابة، ثمّ ينزعه من الطعام، ويأكل الطعام دون أي حرج، حيث قال: (إذا وقَع الذُباب في شراب أحدكم، فليغمِسه ثم لينزعه، فإنّ في إحدى جَناحَيه داءً والأخرى شِفاءً)،[٢] وكذلك أمر الرسول -عليه السلام- بالزيادة من مقدار الطعام وإطعام الغير، ونهى عن أكل الثوم والبصل، وألحق العلماء بهما كلّ ما له رائحةً قد يتأذّى الناس منها، وكان الرسصول يقول إذا انتهى من الطعام: (الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول منّي ولا قوة)،[٣] ثمّ إنّه كان يتسوّك.[٤] آداب الطعام والشراب لم يترك الإسلام جانباً من جوانب الحياة، إلّا وتناوله بالبيان والإيضاح، وهذا من عظيم هذا الدين وأسراره، ومن هذه الجوانب آداب الطعام والشراب، فقد بيّنها وأوضحها أشدّ الإيضاح، وفيما يأتي البعض منها:[٥] التسمية قبل البدء بالطعام والشراب؛ وذلك لما رُوي من حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال له: (يا غلام؛ سمّ الله، وكُل بيمينك، وكُل ممّا يليك)،[٦] فالتسمية عند بداية الطعام بقول: (بسم الله)، فإذا نسي المسلم التسمية في البداية، فليسمّ حين يتذكّر، ويقول: (بسم الله في أوله وآخره). الأكل والشرب باليمين؛ لما في الأكل والشرب بالشمال من التشبّه بالشيطان. الأكل بثلاثة أصابعٍ؛ وذلك لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان يأكل بثلاثة أصابعٍ. لعق الأصابع وإناء الطعام؛ فإذا فرغ الإنسان من الطعام، وبقي شيءٌ يسيرُ منه لا يضرّه إن تناوله، فمن السّنة أن يأكله، فلا يعلم البركة أين تكون، وذلك أيضاً من سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم. أكل ما تناثر من الطعام؛ فإذا وقع من الطعام شيئاً، فليأخذه ويمسحه ثمّ يأكله. الأكل مع الغير؛ كالزوجة والأولاد والضّيف وغيرهم؛ للبركة التي تتحصّل في ذلك. النهي عن التنفس في الإناء؛ ومثل ذلك التنفّس في الطعام والشراب؛ لما رُوي أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نهى أن يُتنفس في الإناء. النهي عن الأكل من أعلى الإناء أو وسطه، فإذا كان الإناء يحتوي طعاماً من نوعٍ واحدٍ، فالسنة أن يأكل ما يليه، وإن احتوى أكثر من نوعٍ فلا بأس بأن يأكل من أعلى الإناء أو وسطه. النهي عن الشرب قائماً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ النبي عليه السّلام، قال: (لا يشربَنّ أحدٌ منكم قائماً، فمن نسي فليسْتقِئ).[٧] الاقتصاد في الطعام، وتجنّب الإسراف فيه؛ فيجعل المسلم ثلثاً لطعامه، وثلثاً لشرابه، وثلثاً لنفسه، وقد ذكر الإمام الغزاليّ في كتابه الإحياء الأضرار الناجمة عن الإسراف في الطعام، فمنها الضرر الشرعي؛ وهو الدخول فيما نهى عنه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من الإكثار في الطعام والشراب، ومنها الضرر البدني، وهو أنّ كثرة الطعام تؤدّي بالجسم إلى الفساد والأمراض والكسل عن الصلاة، ومنها الذي يلحق بالقلب والعقل، أو يؤثّر فيهما سلباً، فيمنعهما عن القيام بمهامهما على أكمل وجهٍ.[٨] أثر آداب الطعام والشراب على صحّة الإنسان اعتننى العلماء المسلمون قديماً وحديثاً في الكلام عن الروح، والعناية بها، والآفات التي تُصيبها فتكدّر صفو حياة الإنسان، إلّا أنّ قليلاً منهم مَن اعتنى بجسم الإنسان، والكلام عمّا يضرّه ويفيده من الأغذية، وأوقات الاكل، وكميته، وكيفيته، فصحة الإنسان من أكثر الأمور ضرورةً في حياته، وأكثرها التصاقاً به في جميع أوقاته، لذلك كان لا بدّ من وضع القواعد التي تساعد الإنسان على أن يكون كاملاً في جسده، وفيما يأتي بيان البعض منها بشكلٍ مفصلٍ:[٩] الحِمية أصلٌ من أصول صحة جسم الإنسان؛ والحِمية أن يحتمي الإنسان من الطعام والشراب، سليماً كان أم مريضاً، وإن كانت تطلق في حقّ المريض أكثر، إلّا أن السليم يجب أن يتّبعها أيضاً. تنظيم أوقات الطعام، وتجنب الأكل بين وجبات الطعام بإدخال طعامٍ على طعامٍ آخر؛ فالمتعارف عليه بين الناس أنّ الوجبات الرئيسية هي: الإفطار، والغداء، والعشاء، وتختلف مدّة الهضم بحسب نوع الطعام، فمنها ما يأخد ساعتين، ومنها ما يأخذ أكثر، فيجب على الإنسان أن يراعي ذلك بتحديد الأوقات المناسبة لكلّ وجبةٍ، مع مراعاة نوعية الأكل وحاجتها للهضم. اختيار أفضل أنواع الطعام، وتجنّب أردئه؛ لأنّ القصد من الطعام تقوية الجسم، وتعويضه عن النقص الحاصل بسبب المجهودات المختلفة التي يقوم بها، والمحافظة على نمو الجسم نمواً سليماً، وحمايته من الأمراض، وتزويده بالقوة اللازمة التي تساعد أجهزته على القيام بمهامها، فالطعام يعدّ وسيلةً وليس غايةً.
الإثنين 18 نوفمبر 2024