عندما تلقى الرئيس التنفيذي لشركة طاقة مقرها المملكة المتحدة تلك المكالمة الهاتفية يومذاك، كان الصوت الآتي من الجهة الأخرى مألوفاً وإن بدا عجولاً على غير عادته. إنه رئيسه في ألمانيا، يريد منه أن يلبي له طلباً مستعجلاً. أراد من الرئيس التنفيذي أن يرسل مبلغ 243 ألف دولار (191 ألف جنيه استرليني) إلى جهة موردة هنغارية في أقرب وقت ممكن عبر عملية تحويل مصرفية. وقال “إنه أمر عاجل”. وتلقى الرئيس التنفيذي تأكيداً بإعادة المبلغ له لاحقاً.
بعد إتمام عملية التحويل، وجد المبلغ المطلوب طريقه إلى حساب مصرفي في المكسيك ثم إلى أماكن أخرى عدة. لكن الأموال لم تُعَد مطلقاً، لذا عندما تلقى الرئيس التنفيذي مكالمتين أخريين تطلبان منه دفعات مالية إضافية، انتابه الشك، ولم ينفذ أي تحويلات نقدية إضافية مطلقاً.
لم يكن المتصل رئيسه، بل كان برنامجاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي لتوليد الأصوات خضع لبرمجة تسمح له بتقليد صوت رئيسه في ألمانيا، وبذلك الخداح للقيام بالتحويلات المصرفية. لقد تعرض لعملية احتيال، فيما بقيت وجهة الأموال مجهولة ولم تُسترد.
في الواقع، هذا النوع من الاحتيال الصوتي المستخدم بتقنية “ديب فيك” Deepfake هو شكل جديد من أشكال الهجمات الإلكترونية. ففي وقت نالت أخطار تأثير الذكاء الاصطناعي في الوظائف والأمن القومي والمعلومات المضللة نصيباً كبيراً من المناقشات، لم يحظَ استخدامه لأغراض احتيالية بالقدر نفسه من الاهتمام. ومع ذلك، فإن خطر إساءة استخدام أموال المستثمرين وعمليات التلاعب بالأسواق المالية كبير للغاية. وزير الدولة لشؤون الأمن البريطاني توم توغندهات قال إن “بضعة أسطر من التعليمات البرمجية في مقدورها أن تكون بمثابة ’ميركل غرو‘Miracle-Gro [علامة تجارية لأسمدة يمكن استخدامها على الخضراوات لتوفير العناصر الغذائية الأساسية لنموها] لتعزيز الجريمة، وتقدر الكلفة العالمية للاحتيال بالتريليونات فعلاً”. وفيما يزداد الذكاء الاصطناعي تطوراً، يتزايد أيضاً خطر الاحتيال الذي يتهددنا جميعاً، من إنشاء مستندات مزيفة لا تختلف عن نظيراتها الحقيقية وبيانات مالية مزورة وتسجيلات صوتية، إلى انتحال هويات مركبة (أحد أشكال الاحتيال المالي الذي يتمثل في الجمع بين البيانات الكاذبة التي يولدها الذكاء الاصطناعي ومعلومات شخصية حقيقية مسروقة لإنشاء هوية جديدة تمام
السبت 23 نوفمبر 2024