ألوان ماء طبيعية
ما هو اللون الحقيقي للماء؟ هل هو أزرق، أم أخضر، أم شفاف بلا لون؟ فعندما تنظر إلى كوب من الماء، تراه بلا لون؛ لماذا إذًا ترى الماء أزرق عندما تنظر إلى بحيرة أو بحر أو محيط؟
والواقع أن المياه النقية بها درجة خفيفة من الزرقة نتيجة لتركيبتها وسلوكها الجزيئي، ويصبح اللون الأزرق أكثر وضوحًا مع زيادة كثافة المياه وحجمها. والسبب الرئيسي وراء زرقة المسطحات المائية مثل المحيطات، والبحار، والأنهار، والبحيرات هو الامتصاص الانتقائي للضوء.
فتُسمى أشعة الشمس بالضوء الأبيض، ولكنها في الحقيقة تتكون من ألوان قوس قزح ذات الأطوال الموجية المختلفة. وعندما تضرب أشعة الشمس البحار، أو المحيطات، أو البحيرات، تقوم المياه بامتصاص الأصفر، والأحمر، والبرتقالي؛ ولأن للون الأزرق أقصر الأطوال الموجية، يكون أكثر الألوان ارتدادًا، ولذلك نرى المحيطات زرقاء.
وقد تؤدي بعض مكونات مياه البحر، بالإضافة إلى الشوائب الذائبة أو المعلقة في مياهه إلى صبغ المياه بألوان مختلفة. ففي كثير من الأحيان، قد تمنح الطحالب الخضراء بعض الأنهار والجداول لونًا أزرق مخضرًّا، في حين تتميز بعض البحيرات والجداول الجبلية باللون الفيروزي لاحتوائها على صخور مطحونة. كما أن هناك أنواعًا معيَّنة من الطحالب والبكتيريا التي تتسبب في ظهور المحيطات أو البحار باللون الأحمر
هل البحر الأحمر أحمر بالفعل؟
لا يشير اسم البحر الأحمر إلى لونه الحقيقي، حيث إنه ليس بأحمر. ففي الغالب يكون لون مياه البحر الأحمر هو الأزرق، ولكنها قد تبدو أحيانًا حمراء اللون. ويزعم البعض أن السبب وراء ذلك اللون في بعض الأماكن هو انعكاس اللون الأحمر للجبال الغنية بالمعادن على امتداد شاطئ البحر الأحمر على سطح مياهه، ويظن البعض الآخر أن الشُعب المرجانية الموجودة في قاع البحر هي السبب.
وفي الواقع، فإن لون البحر الأحمر يتحول إلى الأحمر نتيجة لحدث غير عادي؛ حيث يمتلئ البحر بالبراعم الموسمية لنوع من أنواع البكتيريا حمراء اللون (Trichodesmium Erythraeum)، والتي تتسبب عند موتها في تحول لون مياه البحر الزرقاء المخضرة إلى اللون الأحمر.
وتتغير تجمعات الطحالب تبعًا لتوافر العناصر الغذائية، وخاصة الفوسفات، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى غزارة في إزهار الطحالب. ويتم تصنيف الطحالب عمومًا على أساس الأصباغ التي تلوِّن خلاياها؛ فتتميز معظم مجموعات الطحالب باللون الأزرق المخضر، أو الأخضر، أو الأحمر، أو البني.
وقد تنمو بعض أنواع الطحالب بشكل مفاجئ وبغزارة، فتستطيع خلايا الطحالب أن تتكاثر لتصبح كثافتها عالية جدًّا في المياه، قد تصل في كثير من الأحيان إلى آلاف الخلايا في الميلليمتر الواحد من المياه، مما يؤدي إلى تحول المياه إلى اللون الأحمر، أو الأخضر، أو البني.
وتستهلك تجمعات الطحالب الأكسجين وتعكر المياه، وفي بعض الأحيان قد تسد مجاري الأنهار والجداول. كما أن هناك بعض أنواع الطحالب التي تنتج مركبات قابلة للذوبان في المياه قد تكون سامة للأسماك والرخويات. إلا أن طحالب (Trichodesmium) غير سامة بالضرورة؛ فهي بكتيريا مثبتة للنيتروجين، ولذلك يتم دراسة دورها في إنتاج العناصر المغذية على نطاق واسع.
وعاء عملاق من الحليب بالفراولة!
توجد في السنغال بحيرة غير عادية تدعى بحيرة رتبا أو “البحيرة الوردية”؛ وذلك لأن لونها وردي. فعندما ترتفع نسبة الملوحة في البحيرة خلال أشهر الصيف الجافة، يتحول لون البحيرة إلى لون الحليب بالفراولة. والمدهش في الأمر أن ذلك اللون لم ينتج عن إلقاء مواد كيميائية في البحيرة، بل في الواقع هو إحدى الحيل السحرية للطبيعة الأم.
ونتيجة لارتفاع نسبة الملوحة بالبحيرة، تتوفر في مياهها الظروف المعيشية المثالية لنمو نوع من الطحالب الدقيقة المحبة للأملاح (Dunaliellasalina). وتُعرف تلك الطحالب الدقيقة بقدرتها على إنتاج كميات كبيرة من البيتا كاروتين الذي يمتص أشعة الشمس، والتي تنعكس بدورها على الأملاح مما يعطي الطحالب لونًا ورديًّا، وبالتالي تتحول المياه أيضًا إلى اللون الوردي. ويتحول لون المياه من اللون البنفسجي إلى الوردي حسب التوقيت خلال النهار وكمية أشعة الشمس.
قد تبدو البحيرة غير آمنة أو غير مفيدة، لكن طحالب (Dunaliellasalina) غنية بالمواد المضادة للأكسدة، وغالبًا ما يتم حصادها لتُستخدم في مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية. كما أنه بإمكانك أن تسبح في هذه البحيرة بأمان؛ الأمر الذي يعد خبرًا جيدًا لعمال التعدين الذين يستخرجون الأملاح من البحيرة، كما يمكنك أن تطفو بسهولة في هذه البحيرة نظرًا لنسبة الملوحة الزائدة، كما هو الحال في البحر الميت