موقف الإسلام من عمل المرأة
لقد عني الإسلام منذ بزوغ فجره بقضايا المرأة ، فعمل على توظيف المرأة الوظيفة الصحيحة المناسبة لها في حياتها ، فأمرها بالقرار في البيت والبقاء فيه ، ونهاهن عن التبرج والسفور . قال تعالى : ” وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى “[8] ، وفي الآية فائدة بلاغية ، وهي : أن الله – سبحانه وتعالى – أضاف البيوت إلى النساء ، وليست الإضافة إضافة ملك بل هي إضافة إسكان ، فالمرأة سكنها ومقرها الدائم في بيتها . في عمدة التفسير : ” (وقرن في بيوتكن) أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ، ومن الحوائج الشرعية: الصلاة في المسجد بشرطه … (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال ، فذلك تبرج الجاهلية ، وقال قتادة : (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)إذا خرجتن من بيوتكن –وكانت لهن مشية تكسر وتغنج- فنهى عن ذلك ، وقال مقاتل بن حيان :(ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) : والتبرج : أن تلقي خمارها على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ،ويبدو ذل كله منها ،وذلك التبرج،ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج “[9].
كما أسقط الإسلام عن المرأة – لأجل الخروج – واجبات أوجبها على الرجل ، ومن تلك الواجبات صلاة الجماعة وصلاة الجمعة ، فأسقط عنها الخروج ، وبين أن صلاة المرأة تكون في بيتها ، فهو خير لها . عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : “لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن “[10] ، ولكن الإسلام مع ذلك لم يحرم خروجها إلى الصلاة بل أجاز لها ذلك ، ونهى الرجل أن يمنع نساءه الخروج إلى المسجد إذا استأذنّه بشرط أن يخرجن بالحجاب الشرعي غير متطيبات ولا متعطرات حتى لا يَفتن ولا يُفتن ، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها”[11] ، يقول الشيخ عبد الله ابن بسام – رحمه الله – – معلقاً على هذا الحديث – : “كيف لو شاهد السلف ما عليه زماننا من تهتك وتخلع ، حيث يعمدون إلى أحسن لباس وأطيب ريح ، ثم يخرجن كاسيات عاريات ، قد لبسن من الثياب ما يصف أجسامهن ، ويبين مقاطعهن ، وغشّين وجههن بغطاء رقيق يَشِفّ عن جمالهن ومساحيقهن ، ثم يأخذن بمزاحمة الرجال والتعرض لفتنتهم .. لو رأوا شيئاً من هذا ؛ لعلموا أن خروجهن محض مفسدة ، وأنه قد آن حجبهن في البيوت ،ومن المؤسف أن تذهب الغيرة الإسلامية والعربية من أولياء أمورهن فلا يرفعون في ذلك طرفاً ، ولا يحركون لساناً ، فإنا لله وإنا راجعون “[12] ، ولذلك لما رأت عائشة ما أحدث النساء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ” لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل “[13] ، قال ابن حجر – معلقاً على هذه الحديث وغيره من أحاديث الباب – : ” ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل : تحقق الأمن فيه من الفتنة ،ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث الناس من التبرج والزينة ، ومن ثم قالت عائشة ما قالت ” [14].
كذلك فإن من أعظم الواجبات التي أمر الله بها الرجال : الجهاد في سبيل الله ، فهو ذروة سنام الإسلام وطريق عزته ، ومع ذلك فقد أسقط الله الجهاد عن النساء ، ففي الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : ” قلت : يا رسول الله على النساء جهاد قال : نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ” رواه ابن ماجه [15] .
كذلك فلقد جعل الإسلام المرأة مكفولة طوال حياتها ، فأوجب النفقة على وليها – سواء كان أباها أو زوجها أو غيرهما – ، وأمرها بأن تؤدي حقوق غيرها عليها ، وأن تلزم بيتها وتحافظ عليه .
كل هذا يبين أن الإسلام حرص على بقاء المرأة في بيتها ؛ لما في ذلك من الآثار العظيمة ، ولكنه مع ذلك لم يمنعهن من الخروج مطلقاً ، بل أجاز لهن ذلك إذا كان ثمة حاجة إلى خروجها ، بشرط أن تكون متسترة غير متطيبة ولا متزينة