تهيئة ظروف العمل المناسبة للمرأة
إن دخول المرأة معترك العمل بأسس علمية صحيحة سوف يكون له أثر حضاري وثقافي ينتقل من خلالها إلى الأجيال القادمة التي هي عماد البلاد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأنها سوف تعلّم الأجيال القادمة أنماطاً جديدة للحياة.
إن مساهمة المرأة في العمل في معظم الدول العربية شبه منخفضة مقارنة بالذكور، وإن هذه النسبة المنخفضة هي من سمات الدول النامية بصورة عامة والعربية بصورة خاصة مقارنة مع بقية دول العالم.
و إذا أردنا أن نحلل أسباب هذا التقصير في مواكبة التطور الطبيعي نرى أن هنالك عوامل عديدة تتحكم في موضوع مساهمة المرأة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، فالبيئة المحافظة والأعراف التي تحيط بالمرأة يجعلها أقل إقداماً على العمل في مجتمعنا الذي لا تتوفر فيه الشروط الكافية التي تخفف عن المرأة بعض الواجبات البيتية، مثل مراكز رعاية الأطفال ودور الحضانة والخدمات المنزلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإحصائيات التي تبين مدى العلاقة الموجودة بين توفير هذه الخدمات وإمكانية زيادة مساهمة النساء في العمل خارج المنزل غير متوفرة، كما أنه لا توجد أية دراسة تقوم على حصر النساء العاملات في هذه الخدمات؛ فدور الحضانة أنشئت بعد أن شعر الجميع بالحاجة الماسة إليها، ومع ذلك فإننا نعلم أن أعدادها غير كافية، فالتخطيط المسبق لهذه الخدمات غير متوفر كما أن البيانات والإحصائيات في هذا المجال قاصرة جداً..
لهذه الأسباب نرى أن مساهمة المرأة تتأثر بعاملين رئيسين من جملة العوامل الأخرى، وهما الحالة الزوجية والحالة التعليمية.
إن تعلم المرأة يدفعها إلى ميدان العمل؛ فكلما ارتفعت درجة تعليمها أدى ذلك إلى جعلها عنصراً فعالاً في المجتمع نتيجة لزيادة وعيها.
إن هذه الحقيقة على درجة بالغة من الأهمية؛ فالحل الوحيد لزج النساء في ميدان العمل هو التعليم الذي يرفع من درجة كفاءتهن وعطائهن ومردودهن.
إن المعطيات الإحصائية قادرة على أن تظهر لنا أيضاً مدى مساهمة المرأة في كل قطاع من القطاعات المختلفة للنشاطات الاقتصادية وتحدد لنا بذلك أنواع الأعمال التي تستهوي المرأة أكثر من غيرها، فمثلاً في العراق يتركز عمل المرأة بصورة رئيسية في مجال التعليم والخدمات ومن ثم الزراعة، والأعمال المكتبية، وهذا التخصص يساعدنا في رسم الخطط المستقبلية.
قبل أن نختم هذه الفقرة لواقع المرأة في العمل يجب التنويه إلى نقطتين هامتين في هذا المجال:
1- إن العمل رغم أهميته القصوى بالنسبة للمرأة ومردوده بالنسبة للاقتصاد، قد لا يعود بالنفع المادي على صاحبه كما هو العمل بالريف، نظراً لسيادة بعض العادات الاجتماعية التي لا تعتقها من واقعها الاجتماعي ولا تحررها من تبعيتها الاقتصادية.
2- إن خروج الزوجة إلى العمل ولّد بعض المشكلات، ولكن هناك أيضاً قصوراً كبيرا في المعطيات الإحصائية لتصوير هذا الواقع وتحديد المشكلات بالأرقام ليتسنى للمخططين معالجتها؛ إذ حسب رأينا أن الغاية من عمل المرأة هو النمو والتطور من جميع أوجهه، ومن غير المنطقي أن يكون عمل المرأة سبباً في تفكيك رباط الأسرة أو إهمال تربية الأطفال أو حتى على حساب صحة الزوجين أو أوقات فراغهم.
لقد أثبتت دراسة اجتماعية ميدانية في العراق بأن نزول المرأة إلى معترك العمل والمساهمة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعام قد حقق مكسباً كبيراً في تكوين اتجاهات جديدة في تحرير نصف المجتمع من الجمود، ودفعه في طريق الإنتاج والمشاركة، لكن مجموعة كبيرة من المشكلات أخذت تدخل إلى معظم البيوت من خلال إرهاق المرأة بعملين معاً، ولعدم توفر الخدمات التي تعتق المرأة من بعض مسؤولياتها من جهة، ولعدم قبول الأزواج بمساعدة زوجاتهن من جهة أخرى؛ إذ لم تتولد بعد قناعة لدى الجميع بأن الحياة أساسها المشاركة.
وقد حددت أغراض البحث بـ:
1- الكشف عن المشكلات الأسرية، وتحديد أبعادها وآثارها على حياة الأسرة واستقرارها من خلال ما يعطيه البحث من معلومات وبيانات ومعطيات إحصائية.
2- الوصول إلى نتائج وإعلان مقترحات؛ وفي الحقيقة أننا نفتقر لمثل هذه الدراسات رغم أهميتها؛ إذ هي تلقي أضواءاً على مقومات جديدة لعمل المرأة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر المعطيات التالية:
– 68,57 % من الزوجات العاملات يقضين العطل في البيت للقيام بالأعمال المنزلية.
– 54,81 % من الأسر التي لديها أولاد تغطي الزوجة غيابها عن العمل بسبب مرض طفلها بإجازات إدارية و10,04 % بإجازة بدون راتب.
– 29,82 % من العاملات التي جرت الدراسة عليهن ينفردن بكافة الخدمات المنزلية داخل الأسرة، وهذا يعني أن ثلث الزوجات العاملات تقريباً مسؤولات عن تأمين كافة الخدمات المنزلية بمفردهن دون أية مساعدة.
– 47,5 % من الأزواج يساعدون زوجاتهن العاملات بالأعمال المنزلية التي تعتبر من اختصاص رب الأسرة (شراء الحاجيات، ومساعدة الأولاد في مسؤولياتهم المدرسية)(9).
النتائج الممكن استخلاصها من دراسة واقع المرأة في العمل تنحصر في النقاط التالية:
– إن مساهمة المرأة في العمل يبقى ضعيفاً رغم الجهود المبذولة وإذا أردنا زيادة مساهمتها فيجب التخطيط من أجل تحقيق ذلك في ثلاثة اتجاهات:
1- زيادة تعليم المرأة.
2- تأمين فرص العمل التي تتناسب وإمكانياتها وظروفها.
3- العمل على تأمين الخدمات التي تحرر المرأة من أعبائها المتراكمة في المنزل.