نظرية الحماية القانونية لعناصر الملكية الصناعية في ظل إتفاقية تريبس TRIPS
تطرقنا من خلال هذا البحث المتواضع لدراسة تحليلية لإتفاقية حماية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، وذلك من خلال التفصيل والتحليل في نشأة الإتفاقية ومضمونها ومبررات الدول المتقدمة وكذا معارضة الدول النامية لها. حيث تمعنا جيدا في أهدافها الظاهرة و الباطنة، وكذا آليات فرضها وهنا المقصود إنفاذها وكيفية حل النزاعات من خلال الآلية الخاصة بها، وما تعلقها وإرتباطها بمنظمة التجارة العالمية ما هو إلا تأكيدا لمخاوف الدول الأقل نموا والدول النامية، هاته الدراسة والتي أردنا أن تكون هي الشق الأول لموضوعنا من خلال الفحص والتدقيق في الظروف التي أحاطت بميلاد هذه الاتفاقية، والتي أظهرت شكليا في المادة السابقة على مساعدة الدول النامية في نقل المعرفة التكنولوجية، غير أن باطن هذه المادة يظهر الإختيارية لا الإلزامية للدول المتقدمة في ذلك. الآن وقد علمنا من الظروف السابقة، الأهداف وكيفية الإنفاذ فإن من الضرورة ربط كل ما إستخلصناه من الفصل الأول من الدراسة بما جاء في الفصل الثاني وهو لب الموضوع ، حيث تطرقنا بالوصف والتحليل ما جاءت به إتفاقية التريبس بخصوص حماية عناصر الملكية الصناعية والتي عرفت حماية قبلها من طرف اتفاقيات أخرى سبقتها وأهمها اتفاقية باريس، غير أن الاتفاقية موضوع البحث تعدت ذلك بإعتمادها حماية أوسع من سابقاتها، وكذا كسر حدود مجالات أخرى كانت تعتبر محرمة على الحماية أو بعبارة أخرى تعتبر خطا أحمر يمنع تجاوزه على أساس مبررات إستراتيجية تتعدى ذلك لإعتبارات إنسانية ونذكر على سبيل المثال توفير الحماية والحق في الإستئثار للإبتكارات في المجال الزراعي والذي له علاقة وطيدة بتوفير غذاء البشرية وكذا مجال المواد الصيدلانية والذي لم يتم حمايته أو حماية تسلط الشركات الكبرى إلا في إتفاقية تريبس. زيادة على هذا تم إعتماد حماية المعلومات السرية أو ما يعرف بالسر التجاري والذي أعتبر قبل إتفاقية التريبس أن إفشائه يخدم البحث العلمي والتطور التكنولوجي وعلى سبيل المثال تغيير إتفاقية تريبس للأساس القانوني لحق البراءة لحق طبيعي منح سلطات أوسع لمالكه تصل لحد التعسف والربح على حساب الآخرين هو مظهر من مظاهر تغليب النظرية المادية على النظرية المعنوية بخصوص حماية الفكر والأفكار وكذا إعتماد الإتفاقية على منح البراءة على طرق الصنع هو سابقة في حماية صاحب الحق. وبصفة عامة نجد أن إتفاقية التريبس وبغرض الحماية على المنتجات الصيدلانية وكذا على المجال الزراعي ولا سيما على الأصناف النباتية وتشديدها في منح التراخيص الإجبارية وميولها الواضح للمبتكرين الذين يتمركزون في الشركات الكبرى والدول المتقدمة، فإنها لم تكن سوى أداة لتطبيق آلية سيطرة جديدة تعتمد على القوة الاقتصادية لتتعداها إلى القوة التكنولوجية العلمية التي لم تعمل أبدا على توفير آلية لنقلها إلى الدول النامية . وما يؤكد هذا المد والجزر الذي تكرس بعد إقرار الإتفاقية لحماية المنتجات الصيدلانية وما تبعه من إعلانات آخرها إعلان الدوحة 2005، وأولها إعلان الدوحة 2001، الذي نتج عنه عدة مواقف أدت بالدول الكبرى لمنح مراحل إنتقالية جديدة ومنع الحق في إصدار التراخيص لصناعة الأدوية الجنيسة رغم تقييدها بعدة شروط. و زيادة على ذلك فقد قامت الإتفاقية بتوسيع نطاق حماية العلامات ونتج عنه ما يعرف بعلاقة الخدمة غير أن تميز تريبس ظهر أكثر في مجال حماية الشارات المميزة حيث أقرت حماية خاصة بالمؤشرات الجغرافية ولا سيما ما تعلق بتجارة الخمور. وتلخيصا يمكننا الجزم بما يلي : – نعم توجد مظاهر ميزت إتفاقية تريبس عن غيرها في مجال حماية عناصر الملكية الصناعية، غير أن هذا التميز لم يكن سوى خدمة للشركات العالمية الكبرى والتي تعتبر جماعة ضاغطة على حكومات الدول المتطورة . – تميز ظاهرة الحماية لم يكن سوى آلية لفرض نوايا اقتصادية بحتة لا علاقة لها بتكريم وتعويض العالم والباحث، هذا ما يجعلنا نذكر بان الشخصيات العلماء والعظماء عبر التاريخ قدموا اختراعاتهم للعالم دون تمييز ودون غرض تجاري بل خدمة للبشرية جمعاء ونيلا للشرف. – اليقين بأن التكنولوجيا و المعرفة الفنية لا تنتقل بآليات مهما كانت، بل أصبح لزاما علينا وبصفتنا من العالم النامي الإيمان بان البحث العلمي والمنظومة العلمية التربوية هي أساس الاستثمار الحقيقي وهي الآلية الحقيقية لكسب التكنولوجيا. – حداثة الموضوع والبرمجة المدروسة للاتفاقية وارتباطها الوثيق بمنظمة التجارة العالمية يؤكد أن هاته الإتفاقية لن تتوقف عند هذا الحد من الإذعان. وكخلاصة عامة نستطيع القول أن هذا الموضوع وبدقته ووفرة عناصره يتطلب بحثا أعمق من هذا نظرا لأهميته، غير أننا من خلال هذه المذكرة أردنا المساهمة و لو بشكل جزئي لإثراء هذا الموضوع والذي يعتبر ذو أهمية بالغة نظرا لتكبيره وتجاوزه لجميع الحدود الجغرافية وغيرها.
الأحد 29 ديسمبر 2024